كتب ماجد مهران
تشهد مدينة ريو دي جانيرو أكبر المدن البرازيلية، واحدة من أعنف العمليات الأمنية في تاريخ البرازيل الحديث، حيث وصلت الأوضاع لما يشبه بـ حرب شوارع في البرازيل بعدما تحولت الأحياء الفقيرة المعروفة باسم الفافيلاس إلى ساحات حرب مفتوحة بين قوات الأمن وأفراد العصابات المسلحة.
ومنذ عدة أيام بدأت السلطات الأمنية البرازيلية في تنفيذ عملية تطهير واسعة للقضاء على العصابات المسلحة المنتشرة في المناطق الفقيرة من مدينة ريو دي جانيرو التي أُطلق عليها اسم الاحتواء (Contenção).

وأدت العملية حتى صباح اليوم الإثنين إلى مقتل أكثر من 230 شخصًا، وفقًا لتقارير إعلامية محلية ودولية، وهو الأمر الذي أثار صدمة واسعة داخل وخارج البلاد بسبب حجم العنف والمشاهد المروعة للجثث المنتشرة في الشوارع.
عملية الاحتواء تتحول إلى حرب شوارع في البرازيل
بدأت الحملة فجر الثلاثاء الماضي بمشاركة نحو 2.500 عنصر أمني من الشرطة المدنية والعسكرية وقوات النخبة، بهدف تنفيذ مئة أمر اعتقال ضد قادة تنظيم كوماندو فيرميلو (Comando Vermelho)، أكبر فصيل إجرامي في ريو دي جانيرو والمسؤول عن جزء كبير من تجارة المخدرات في الولاية.

ولكن وفقا لعدة تقارير إخبارية محلية تحولت عملية الاعتقال إلى حرب شوارع في البرازيل ومواجهات مسلحة عنيفة، حيث ردت العصابات بإطلاق نار كثيف، ونصب المتاريس، واستخدام الطائرات المسيرة لإلقاء قنابل على قوات الأمن.
جثث فى شوارع ريو دي جانيرو
وأفاد سكان مجتمعات أليماو وبينيا بأن دوي إطلاق النار استمر ساعات طويلة، فيما غطت سحب الدخان الكثيف سماء المدينة.
وقال شهود عيان إن الشوارع امتلأت بالجثث التي نقلها السكان بأنفسهم إلى الساحات العامة، في مشهد يعيد إلى الأذهان مجزرة 2010 الشهيرة.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور تُظهر صفوفًا من الجثامين، ما أثار موجة من الغضب الشعبي والانتقادات الحادة لطريقة تعامل السلطات مع العملية.

وأكدت السلطات فى البرازيل مقتل 121 شخصًا، بينهم أربعة من عناصر الشرطة، لكن منظمات حقوقية تقول إن العدد الحقيقي تجاوز 230 قتيلًا، معظمهم من الشباب.
وأشار تقرير أولي لمكتب حقوق الإنسان في ولاية ريو إلى أن العديد من الضحايا أصيبوا بطلقات في الرأس أو الصدر من مسافات قريبة، ما أثار شبهات حول وقوع إعدامات ميدانية.
من جانبها، دافعت وزارة الأمن العامة عن العملية مؤكدة أنها ضرورية لكبح تمدد العصابات، في حين وصفها منتقدون بأنها مجزرة دولة هدفها استعراض القوة أكثر من تحقيق الأمن.
لولا دا سيلفا يعلن التحقيق في التجاوزات
وأعرب الرئيس البرازيلى ، لولا دا سيلفا عن قلقه العميق إزاء ما حدث ، ودعا إلى تحقيق عاجل وشامل فى ملابسات العملية، مشددًا على أن مكافحة الجريمة لا تبرر أبداً انتهاك حقوق الإنسان. وأعلن في اليوم التالي إرسال لجنة من وزارة العدل لمراجعة أساليب عمل قوات الأمن في ولايات البلاد المختلفة.
أما المجتمع المدني، فقد خرجت تظاهرات في ساو باولو وريو دي جانيرو تندد بالعنف، ورفعت لافتات كتب عليها الدم ليس عدالة، كما طالبت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش و العفو الدولية الحكومة البرازيلية بوقف ما وصفته بـ الاستخدام الممنهج للقوة القاتلة ضد سكان الأحياء الفقيرة.

تأتي هذه المجزرة في وقت تشهد فيه البرازيل تصاعدًا في التوتر الاجتماعي بسبب الفقر والعنف المنظم، إذ تقدر الإحصاءات الرسمية وجود نحو 1.5 مليون شخص يعيشون في الفافيلاس تحت سيطرة العصابات المسلحة. ويرى محللون أن العملية الأخيرة قد تزيد من انعدام الثقة بين السكان والدولة، خاصة أن الكثيرين يعتبرون أن قوات الشرطة تتعامل معهم كأعداء لا كمواطنين.
في أعقاب العملية، أرسل الرئيس لولا داسيلفا مشروع قانون لمكافحة الفصائل الإجرامية إلى البرلمان، يتضمن تشديد العقوبات على الانتماء إلى العصابات المسلحة وفرض رقابة أكبر على تمويلها. غير أن المعارضة حذرت من أن القانون قد يُستخدم لتبرير مزيد من العنف الأمني، بدلًا من معالجة جذور المشكلة كالفقر والتهميش.
بوابة الوقائع لكل خبر حكاية