أحمد الدريني يكتب : التصويت في انتخابات الصحفيين “نقابي” و”سياسي” و”إنساني”
ومحاولة اختصاره في اختلال كفة الترجيح العددي لدى المؤسسات القومية مسألة غير دقيقة برأيي، قد تكون مؤشر من مؤشرات، لكنها ليست السبب الذي تُعزى إليه المسألة منفردة وتفسر كل شيء لتريح بال الذين يحاولون تفادي الحقيقة وفهمها ما استطاعوا لهذا سبيلا.
فزملاء الصحف القومية ليسوا قبيلة في مواجهة قبيلة أخرى!
بل أغلب من أعرفهم من الزملاء من المؤسسات القومية صوتوا لخالد البلشي في الولايتين.
بل المفارقة أن خالد البلشي نفسه ابن “روزاليوسف”.. القومية!

وإلا كيف نفهم فوز الأستاذ جلال عارف “الناصري” على الأستاذ “صلاح منتصر” (مرشح الدولة حينها) قبل سنوات ليست بالبعيدة.. بينما الأول من الأخبار والثاني من الأهرام؟
المسألة ليست تكتلات مؤسسية دون أبعاد سياسية وإنسانية ودون ما تمليه اللحظة الآنية من تفاعلات على سطح الوطن.
الأستاذ خالد أقرب للصحافة بثقافتها ومفرداتها وهمومها وعوالمها من منافسه الأستاذ عبد المحسن (مع كامل الاحترام للأستاذ عبد المحسن طبعا).. يكفي الأيام الفاصلة قبل الانتخابات والبلشي يشتبك مع محددات تغطية قضية الطفل ياسين كصحفي محترف وكرأس وممثل للجماعة الصحفية، بينما منافسه غير موجود.

وقبلها بيوم يصدر البلشي بيانا ضد تصريحات ترامب بخصوص قناة السويس.. ومنافسه غير موجود.
خطاب البلشي صحفي بحت وخطاب منافسه انحصر في “البدل” و”الأراضي” و”الشقق”، وكأنه يمعن في الاعتراف بوجود أزمة اقتصادية وأن قدرته ومسوغ مروره للمنصب بعض الاقتناصات هنا وهناك.. دون حديث حقيقي ذي ملامح واضحة عن الصحافة.
البلشي لم يهمل البعد الخدمي لكن خطابه كان خطاب كرامة في مواجهة خطاب يرى في النقابة مظلة من مظلات الضمان الاجتماعي ورابطة من روابط الإحسان المجتمعي.. قد تستضيف معرضا للسلع المعمرة أو تفسح دورها الأرضي لإقامة سوبر ماركت لبيع منتجات الألبان وزيت الزيتون بأسعار مخفضة.

هذه المحاولات المستميتة لتحويل النقابة إلى فرع من “بنزايون” صورت الخيار البديل على أنه بالضرورة تحويل النقابة إلى مركز لثورة أناركية أو مقر لحزب سياسي معارض. والحقيقة أن النقابة ليست هذا ولا ذاك. ولم يحدث هذا أصلا في ولاية البلشي الأولى.
لكن لكونها نقابة الصحفيين فهي رغما عن الجميع طرف حاضر في المشهد العام للبلد، وتتفاوت مهارات القائم عليها في الحفاظ على الجماعة الصحفية وأفرادها والإبحار بهم وبمشاكلهم التي لاتنتهي دون خسارة فادحة في أي اتجاه.
نقابة الصحفيين ليست نقابة مستوردي قطع غيار السيارات (لو أن هناك نقابة بهذا الاسم).. فأفرادها يكشفون فسادا ويصطدمون مع مسؤولين ويعملون في مصر وعدة دول عربية وينتمون عادة لتيارات سياسية من أقصى اليمين لأقصى اليسار.. ويناورون على جبهات عدة في الداخل وفي المحيط الإقليمي وعلى شاشات القنوات الإخبارية.. ويشكلون جانبا من الرأي العام بالكتابة والتعليق والتحليل، فيما يخص مصر والإقليم..وبالاضطلاع بإدارة المشهد الإعلامي.

لذا فمحاولا تدجينها تعد رغبة غير واقعية.. قد تنجح لسنوات قلائل لكنها لا تستمر.
فهي نقابة مُسيّسة بطبيعة المهنة قبل طبيعة الأفراد وثقافة الجيل وإملاء اللحظة السياسية الآنية.
ومن ثم فالبلشي يتفوق سياسيا في فهم كل هذا ويجيد هذه الكَرّة وأثبت نفسه تماما في ولايته الأولى بينما كان منافسه صفر اليدين من هذه المعاني في ولاية تكفين النقابة التي كان مسؤولا عنها.
وأخيرا.. التصويت “إنساني” فيه بعد شخصي كان البلشي فيه آسرا بأدبه ودماثته وأخلاقه وتعففه وبمشيته وسط الصحفيين واحدا منهم لا “باشا” فوقهم مدعوما من خارجهم..
وكان البلشي حاضرا فيه بأداءه النقابي البحت، لا مترفعا ولا متنصلا من مهامه.. يحكي كثيرون عن تجاوبه السريع والفعال مع حاجات الصحفيين وتفانيه في خدمتهم.
وهو سمت شخصي للأستاذ خالد الذي تزاملت معه في أكثر من مكان عمل، وكان دوما أول الحاضرين وآخر المنصرفين.. بكل دأب وانكباب ومسؤولية. في حين كان لمنافسه تصريحات متناقضة.
في الانتخابات القادمة لن يترشح خالد البلشي.. لكنه أرسى ثقافة وضرب مثالا سيحتذيه من سيقف في موضعه.. فهل ياترى سيكون المرشح القادم المنافس من قماشة الأستاذين الفاضلين (ولهما كامل الاحترام) اللذين لم يصمدا أمامه رغم حشد كل مميزات الكوكب بين أيديهما ورغم ذلك فاز عليهما؟
أتمنى أن يتعامل القائمون على البلد- وفيهم أذكياء لحد العبقرية- مع السياسة مثلما يتعاملون مع الاقتصاد بكل تسليم وإقرار بالأمر الواقع من حيث تأثير الفيدرالي الأمريكي وحركة التجارة العالمية وحرب روسيا وأوكرانيا وضرائب الصين بوصفها مؤثرات مباشرة على الاقتصاد المحلي..

فالسياسة كذلك أيضا.. تتأثر بكل المعطيات العالمية والإقليمية.. والأجيال الجديدة لا يصلح معها ما كان يصلح قبل عقدين من الزمان.