في هذا الكتاب «ثورة المجر 1956» الذي انتظر كاتبه 50 عامًا قبل أن ينشره، يرصد الطفل «جولا تشتش» كل ما يحدث في بلده من أخبار سمعها أو قرأها أو رآها رأي العين، كل شارع تم تغيير اسمه، كل جندي أو مواطن مات شهيدًا، أو كل جندي قَتَلَ شهيدًا، يرصد كل شاردة وواردة تمرّ أمامه، سواء بوعي لأهميتها أو بـ (لاوعي) لماهيتها، وذلك دون أن يُبدي رأيًا فيما يحدث أو فيما يكتب.
كم طفل بلغ الثانية عشر من عمره في العالم، فكّر في كتابة يومياته؟
وكم طفل في هذه السن المبكرة، بلغ من الوعي ما يجعله يفكر في أن يؤرخ لثورة تقوم في بلاده؟
وما مدى إدراكه لإحداثيات هذه الثورة ومنطلقاتها وأهدافها وتداعياتها أيضًا؟
في اعتقادي هو أمر صعب ونادر، فعادة ما يتعامل الطفل في مثل هذه الأجواء بشيء من اللامبالاة الناجمة عن عدم إدراك خطورة الحدث، قد يشوبها شيء من الخوف في حال أن تعرض الطفل لحدث مباشر، أو أن الأحداث اقتربت من محيطه الشخصي، كأن يفقد فرد من عائلته أو أقربائه أو أصدقائه، أو أن يشاهد بأم عينه مدى الخراب أو القتل الذي هو من تداعيات الثورات بشكل عام. عندها سيختل توازنه النفسي نتيجة تزلزل وعيه الصغير تجاه أحداث كبيرة لا يفهم ولا يدرك ماهيتها أو مبرراتها. أما أن يكون الطفل يملك وعيًا حقيقيًا بأهمية الحدث رغم تشاركه بقية أقرانه جهلهم عن ماهيته أو ماهية بعض تفاصيله، وأن يدرك أهمية تأريخ الحدث وأن يعمل بجهد ومثابر لكتابة يوميات وتفاصيل ثورة تقوم في بلاده رغم هذا الجهل ببعض تفاصيلها، فهذا أمر نادر الحدوث.ومن هؤلاء الأطفال النادرين، المؤرخ ومدرس التاريخ والباحث المجري “جولا تشتش” والذي احتفظ بيومياته عن ثورة المجر مدة 50 عامًا قبل أن يقرر نشرها في كتاب أو عرضها بشكل فيلم وثائقي بناء على عرض قدم له من إحدى شركات الإنتاج. كان الخوف هو المسؤول الأول عن إخفائها هذا الزمن الطويل، ورب ضارة نافعة، فلو أنه قد أعلن عنها في وقت مبكر عن هذا، لانتهى الأمر به وبيومياته إلى الفقد ومجاهل النسيان، فالبلاد التي خضعت للاحتلال الروسي مدة 35 عامًا من العسير عليها أن تحفظ سرّ طفل أرّخ لثورة قامت في بلاده بصدق خالص دون تحيّز لجهة أو تأثر بجهة أو تزوير لحدث، فالأطفال لا يدركون ولا يفهمون التزوير ولا الألعاب السياسية. كان «جولا» وعائلته مخلصون لوطن اسمه «المجر» مما جعلهم يرفضون تركه كغيرهم رغم الأحداث الجسام التي وقعت فيه، كان إيمانهم الوحيد هو هذا الوطن لا غير.
كان لـ«جولا» صديقًا حميمًا رافقه عمرًا كاملًا وقد كان هو السبب في كتابة هذه اليوميات، حيث أنهما اتفقا مسبقًا على فعل كل شيء معًا، وحين بدأ هذا الصديق كتابة يومياته، بدأ جولا هو الآخر بكتابة يومياته، وسواء كانت يوميات الصديق تحمل ذات المضمون عن الثورة أم لا، فقد أتلفها الزمن وذهبت أدراج الرياح، أما يوميات جولا فقد بقيت «طي الكتمان حتى صار جدًّا» كما يقول «جولا» وكما كان ينوي أن يسمي الكتاب.
ثورة المجر 1956
هيأت التغيرات السياسية بعد الستالينية في الاتحاد السوفييتي والحركات القومية للأحزاب الاشتراكية، في أوروبا الشرقية، والاضطراب الاجتماعي بسبب الأحوال الاقتصادية السيئة لعامة المجريين، وبالطبع من قبلهم البولنديون، الظروف لظهور ثورة أو انتفاضة شعبية كبرى في عام 1956. فكانت ثورة المجر المعادية للسوفييت، استمرت خلالها التظاهرات وأعمال العنف وحروب الشوارع من 23 أكتوبر إلى 45 نوفمبر 1956،
هذا الكتاب:
اسم الكتاب: ثورة المجر 1956 (يوميات الثورة – مذكرات طفل)